دراسات | إشكالية الدين في الدستور السوري المقبل الكاتب: نادر جبلي




مركز حرمون للدراسات المعاصرة
إشكالية الدين في الدستور السوري المقبل
الكاتب: نادر جبلي24 آب / أغسطس 2016

أولًا: مقدمة
في معرض انشغالهم بصناعة دستورهم المقبل، ستواجه السوريين عقبات كأداء ناجمة عن أسباب عدة، أولها، وأبسطها؛ انعدام التجربة والخبرة، فباستثناء دستور العام 1950، لم يحصل أن ساهم السوريون في صناعة دستورهم، أو تعديله، بل كانت الدساتير وتعديلاتها تفرض دائما عليهم، سواء من سلطات استعمارية قبل العام 1946 أم سلطات مستبدة بعده، وثانيها؛ ما تركته أنظمة الاستبداد من أمراض في بنية المجتمع، ومن شروخ عميقة بين فئاته؛ وثالثها؛ ما تركته هذه الحرب الكارثية، بنكهتها الطائفية، من آثار خطرة على حياتهم وعلاقاتهم وطرائق تفكيرهم. هذه الأسباب مجتمعة، إضافة إلى أسباب أخرى أقل أهمية، أدت إلى نقص خطير في الثقة بين الفئات، وإلى ارتفاع درجة الحقد والكراهية بينها إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي سينعكس حتمًا على صناعة تلك الوثيقة المهمّة، التي ستضع الإطار القانوني والسياسي لحكم البلد، وتُحدد مساراته.
ولعلّ علاقة الدين بالدستور، ونوع الأحكام الدينية التي سيتم إدراجها ضمن بنود الدستور، وطريقة صوغ هذه الأحكام، هي ما سيشكل نقطة الخلاف الجوهرية الأكثر صعوبة واستعصاءً؛ فهي مواد خلافية أساسًا، وعادة ما تنال، في بلداننا العربية خصوصًا، حصة الأسد من الوقت والخلاف والنقاش. وتزداد حدة هذه الخلافات في البلدان ذات التنوع الديني والمذهبي كسورية، والتي تضمّ في الوقت نفسه، قوىً، وجماعات عَلمانية كثيرة، ترغب في إبعاد المقَدّس عن الدستور والشأن العام. يضاف إلى كل ذلك، الأبعاد الاستثنائية المشار إليها أعلاه، والتي ستكون عليها سورية ما بعد الحرب، إذ ستحاول طائفة الأكثرية السنية، في ردة فعل على تجربتها السيئة مع نظام الأسد، وعلى ما أصابها من عنف مهول خلال الثورة، وضمانةً لعدم تكرار ذلك، إقحام ما أمكن من أحكام دينية في الدستور، تجعل القيادة والتحكم في متناولها، وفي المقابل، وخوفا من ردة فعل طائفة الأكثرية، ستحاول الفئات الدينية الأخرى، ومعها القوى العَلمانية، إبعاد الدين عن الدستور قدر الإمكان، وستكون منازلة قاسية محكومة بتصلب وتشنج وهواجس من كلا الفريقين.
علاقة الدين بالدستور، تختلف -من حيث الشكل والمضمون والمستوى- بين دولة وأخرى؛ فعلى نطاق الدول الإسلامية (ذات الأغلبية السكانية المسلمة) نجد دولًا تُقصي الدين تماما عن الشأن العام، وبالتالي عن الدستور، كالدول العَلمانية، ومنها تركيا وإندونيسيا وأذربيجان،  ويبلغ عددها11 دولة من أصل 44، ليس من بينها دولة عربية واحدة، وهناك في المقابل دول تدمج الدين بالدولة، فيكون الدين هو الموجه الأول في الشأن العام، وتُعدّ دولًا دينية إسلامية، ومنها إيران والسعودية والباكستان وأفغانستان، وعددها10 دول من أصل 44 دولة، منها 5 دول عربية وبين من يُقصي الدين ومن يدمجه، تتوزع باقي الدول الإسلامية على درجات مختلفة. (1)
ستحاول هذه الدراسة الخوض في هذه الإشكالية، إشكالية النص الديني والدستور، متجاوزة مسائل عديدة لا يتسع لها المجال، رغم أهميتها بالنسبة إلى موضوعنا. منها مدى فعاليّة أو صُورية الأحكام الدستورية؛ حيث يتعلق الأمر بمستوى استبداد السلطات الحاكمة أو ديمقراطيتها، ومنها مستوى استقلالية القضاء، ومكانة المحاكم المكلفة بالنظر في القضايا الدستورية. ومنها مدى سطوة الجماعات الإسلامية ونفوذها، ومدى تأثيرها على السلطات الحاكمة، ومنها الآراء المختلفة والمتضاربة حول تعريف الشريعة، ومدى شمولها التراث الفقهي، الواسع والخلافي.
ثانيًا: حالات ورود الأحكام الدينية في الدساتير
ترد الأحكام الدينية في الدساتير في حالات عديدة، لعل أهمها وأكثرها شيوعًا حالتان: “دين الدولة” و”مصادر التشريع”، وهذا ما سنتناوله مفصّلًا في الأسطر التالية. كما سنتناول حالة ثالثة غير شائعة، لكنها وردت في الدساتير السورية بشكل خاص، هي “دين رئيس الدولة”.
الإسلام دين الدولة
تنص أغلب دساتير الدول الإسلامية -24 من أصل 44- ومعظم دساتير الدول العربية -باستثناء سورية ولبنان- أن “الإسلام هو دين الدولة”، فماذا تعني تلك العبارة، وما أبعادها القانونية؟ هل تعني مثلًا أن على التشريعات أن تكون منسجمة مع أحكام الشريعة؟ وأن صدور تشريع غير منسجم مع أحكام الشريعة يعد مخالفة دستورية؟ وبالتالي، يمكن الرجوع إلى المحكمة الدستورية لإبطاله؟ أم أن العبارة رمزية لا أكثر، وغرضها الإشارة إلى انتماء الدولة إلى المحيط الإسلامي والحضارة الإسلامية؟
الواقع أن ما يحدِّد الأبعاد، والتبعات القانونية لوجود هذه العبارة، هو مقدار ما تُرتب على الدولة من التزامات دستورية، بشأن تشريعاتها، ومقدار ما تتيح من إمكانية الطعن في دستورية تشريعاتها أمام المحكمة الدستورية. وبحكم أنّ ذلك غير ممكن؛ فيمكننا القول إن للعبارة مدلولًا رمزيًّا لا أكثر.
ثم إن هذه العبارة لا تعطي الحق للدولة، في لعب دور ديني يتعلق باعتقادات الناس، وشؤونهم الدينية، ومراقبة مدى انسجام سلوكهم، وطريقة حياتهم مع الدين، وهي لا تدفع إلى التمييز بين من هم على دين الدولة، ومن هم على دين مختلف.
من ناحية أخرى؛ فلا معنى لوصف الدولة بالإسلام، وهي كيان اعتباري لا يمكن أن يكون محلًا للاعتقاد والتكليف والواجبات الدينية، كالصلاة والصوم والحج، ولا يدرك معنى الله واليوم الآخر، ولا يمكن محاسبته على أفعاله يوم الحساب.
الشريعة الإسلامية مصدر للتشريع
ترد هذه العبارة في الدساتير في صيغ مختلفة، يحمل كل منها مضمونا مختلفا، ويترك آثارًا مختلفة. ومن هذه الصيغ:
• الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع.
• الشريعة الإسلامية مصدر رئيس من مصادر التشريع.

لكن، قبل الخوض في هذه الصيغ، تجدر الإشارة إلى أن تعبير “الشريعة الإسلامية” قد يحمل معنيين مختلفين، يضفي كل منهما على التعبير بعدًا مختلفًا، فبعض فقهاء القانون يرى أن المقصود بتعبير الشريعة الإسلامية هو “مبادئ الشريعة الإسلامية”، أي المقاصد العليا للشريعة، وهي مبادئ عامة وقطعية الثبوت، ومتفق عليها بين الفقهاء، ولا تخوض في التفاصيل، وتترك للمشرع هامشًا واسعًا من الحرية، وبعضهم الآخر -الجماعات الإسلامية عمومًا- يرى أن المقصود بالتعبير هو “أحكام الشريعة الإسلامية” وهي ظنية الثبوت والدلالة، وواسعة جدًا باتساع المذاهب والجماعات والفرق الإسلامية، أي باتساع التراث الفقهي الإسلامي، وخلافية جدا بحكم هذا الاتساع. لكن، كما ذكرنا في المقدمة؛ فإن مجال الدراسة لا يتسع للخوض في هذا الجانب، كما أن غرض الدراسة لا يتطلب ذلك.
• الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع
هي الصيغة الأخف، والتي تعني أن مصادر التشريع عديدة ومنها الإسلام، وأن الإسلام لا يحوز، كمصدر للتشريع، مكانة أعلى من باقي المصادر.
هذه الصيغة لا تلزم المشرع بإصدار قوانين منسجمة مع الشريعة، ولا يمكن مراجعة المحكمة الدستورية للطعن بأي قانون استنادًا إليها، إلا إذا حددت المادة الدستورية التشريعات التي يجب أن تصدر منسجمة مع هذه المرجعية، كما هو الحال في دستور غامبيا الصادر عام 1996؛ حيث تحدد الفقرة (F) من مادته السابعة التشريعات التي يجب أن تصدر استنادًا إلى الشريعة الإسلامية، وهي تنحصر في بعض قضايا الأحوال الشخصية. (2)
بقي أن نقول: إن هذه الصيغة لا تتوافر في أي دستور عربي نافذ.

•الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع
يختلف المعنى والمضمون كثيرًا بين أن تكون الشريعة مصدرًا رئيسًا للتشريع؛ حيث يمكن أن تتشارك في هذه المكانة مع مصادر أخرى، وأن تكون المصدر الرئيس للتشريع “مع ال التعريف” حيث تحتكر الشريعة وحدها هذه المكانة، وتصبح باقي المصادر أدنى مرتبة.
وعبارة “مصدر رئيس للتشريع” تختلف كذلك في المضمون والأثر، بين أن يتم ذكر مصادر رئيسة أخرى إلى جانبها أم لا يتم، فهي توحي، لغويًا، أن الإسلام مصدر من مصادر رئيسة أخرى، فإذا ذكرت مصادر أخرى، كالإجماع أو العرف مثلا، كما في الدستور السوداني، فهذا يعني إمكانية اعتماد تشريعات تستند إلى مصادر تشريعية غير الشريعة الإسلامية (3). أما إذا بقيت العبارة وحيدة، ولم تُذكر إلى جانبها مصادر أخرى، فهذا يعني أنها المصدر الرئيس الوحيد، سواء اقترنت بـ”ال التعريف” أم لم تقترن.
قانونًا؛ تعني العبارة أن الشريعة تمثل مصدرًا موضوعيًا للتشريعات اللاحقة، وأن على المشرع أن يراعي انسجام تشريعاته مع أحكام الشريعة، حيث لا تخالفها أو تتناقض معها، وأنه يمكن الدفع أمام المحكمة الدستورية بعدم دستورية تشريعات تخالفها، وأن المصادر الأخرى غير المذكورة تعدّ من مرتبة أدنى، ولا يجوز لها أن تتعارض مع أحكام الشريعة، لكن ذلك لا يعني أن تكون التشريعات مستمدة مباشرة من الشريعة، بل يعني بالضبط ألّا تكون متعارضة مع أحكام الشريعة، لذا يبقى المجال متاحًا، إلى درجة ما، أمام المشرع لإصدار تشريعات تلبي حاجات البلد دون أن تكون مستمدة من الشريعة. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن خصوصية البلد تلعب دورا مهمًّا في الموضوع، حيث يكون للعبارة نفسها أثرٌ مختلف؛ ففي سورية مثلًا لم تكن العبارة تعني شيئًا كثيرًا، بحكم وجود نظام لا يقيم وزنًا لأي دستور أو قانون، وبحكم تبعية القضاء للسلطة التنفيذية، وبحكم عدم وجود فعاليات دينيّة مؤثرة خارج سطوة النظام (4). أما في مصر مثلًا، فالعبارة تأخذ بعدًا مختلفًا، يشرح ذلك الدكتور عبد الفتاح حسن في معرض تفسيره عبارة “الإسلام مصدر رئيس للتشريع” فيقول: “إن هذه العبارة تعني أن الدستور يحمِّل المشرِّع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسِعَه ذلك، ويدْعو إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة، ومن ثم لا يمنع النص المذكور من الأخذ عاجلًا أو آجلًا بالأحكام الشرعية كاملة، وفي كل الأمور إذا أراد المشرِّع ذلك”. (5)
إذًا؛ قد يدفع وجود العبارة في دستور دولة ما، في اتجاه الاعتماد على الشريعة في تشريعاتها، أكثر فأكثر، والاقتراب من حالة الدولة الدينية الكلية، إذا أتيحت الظروف لذلك.
وردت هذه العبارة في دساتير سبعة دول عربية هي: سورية، العراق، الكويت، الإمارات، البحرين، قطر، السودان.
ج) الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع
العبارة بهذه الصيغة واضحة وقاطعة، فالإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع، أما المصادر الأخرى فثانوية أيًّا كانت، ولا يمكن اللجوء إليها، إلا عند عدم وجود نص صريح وقاطع، في الشريعة الإسلامية، حول الموضوع محل التشريع، وعندما تتعذر إمكانية الاشتقاق من أحكام الشريعة. مع مراعاة ألّا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية الأعلى مرتبة.
وردت هذه الصيغة في دساتير ثلاث دول عربية هي: مصر، ليبيا، عُمان.
د) الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع
هذه الصيغة تعني أن على المشرع الاعتماد على الشريعة وحدها في إعداد تشريعاته، سواء وجد بها ما يساعفه من نصوص صريحة، أم اضطر إلى الاشتقاق منها بكل الوسائل الممكنة، ولا يمكنه في أي حال اللجوء إلى مصادر أخرى؛ فالتشريعات، كلها، يجب أن تكون مستمدة من الشريعة، ومتطابقة معها، وتكون في هذه الحال دولة دينية إسلامية بشل كامل.
من الدول العربية التي تنتمي إلى هذه المجموعة: المملكة العربية السعودية، اليمن، موريتانيا، جزر القمر. ومن الدول غير العربية: إيران والباكستان وأفغانستان.
ينص النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، في مادته الأولى، على أن “المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة؛ دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله، ولغتها هي اللغة العربية. وعاصمتها مدينة الرياض”. (6)
دين رئيس الدولة الإسلام
تعني هذه العبارة عندما ترد في الدستور، أن منصب رئيس الجمهورية هو حكر على جماعة دينية محددة، هي جماعة المسلمين، وهو ممتنع من الجماعات الدينية الأخرى، وليس للموضوع علاقة بمدى تطبيق أحكام الشريعة.

من ناحيتي؛ لا أرى مبررًا لهذه المادة على الإطلاق، ويخطئ المسلمون السنة كثيرًا بإصرارهم عليها، لأن منصب رئيس الجمهورية مضمون لهم بحكم أكثريتهم العددية، ومن دون نصوص دستورية، وحيث يستحيل وصول أي مرشح لا يرغبون في وصوله. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المادة ستمنعهم من اختيار مرشح غير مسلم، يرون فيه المواصفات المناسبة لقيادة البلاد. ناهيك عن أن في هذه المادة مخالفة سافرة، لمبدأ المواطنة، التي تفترض المساواة التامة بين المواطنين في الفرص والحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتمائهم ودينهم وجنسهم ولون بشرتهم. وهذه الصيغة تكاد تكون حكرًا على الدستور السوري، ولم أستطع رصدها في دستور دولة إسلامية أخرى.
ثالثًا: الآثار السلبية لوجود النص الديني في الدستور
ثمة آثار سلبية عديدة، تنجم عن وجود النص الديني في الدستور، نتناول بعضها في ما يلي:

1. خفض مستوى جودة الدستور
باستثناء الدول المعلِنة أنها إسلامية بشكل كامل كالسعودية، وتلك المعلنة أنها عَلمانية كتركيا، فإن وجود النص الديني في دساتير باقي الدول العربية والإسلامية، يضعف، بشكل أو بآخر، من جودة الدستور، وأقصد بجودة الدستور تماسكه وانسجام أحكامه، لأن ذلك قد يؤدي إلى واحد من أمرين أوكليهما؛ فإما أن يضع قيودًا على حرية المشرع، في اختيار ما هو أفضل لمصلحة البلد من أحكام، وذلك مراعاة منه للنص الديني، وحرصًا على عدم التناقض، أو التضارب، بين نصوص الدستور الواحد، أو أنه يؤدي إلى وجود نصوص متناقضة فعلًا، لدرجة أو أخرى، ما يفرض تجاهل بعضها لمصلحة بعضها الآخر. فعندما نقول إن الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيس للتشريع، فإن ذلك يقتضي أن تأتي باقي الأحكام منسجمة معها على الأقل، إن لم تكن مستمدة منها، ما يعدّ بمنزلة معيار على المشرع استخدامه لفحص باقي الأحكام، فإما أن يرفضها؛ لوجود ما يتعارض منها مع النص الديني، أو يقبلها على الرغم من التعارض، متجاهلًا وجود النص الديني، الذي يتحول في هذه الحال إلى نص صوري غير مُفعّل، وهذا ما نلمسه بوضوح عند تناول النصوص المدنية المتعلقة بالحريات، ومنها، وأهمها، حرية الضمير والمعتقد، حيث لا يمكن للناس في ظل أحكام الشريعة، أن تعبد من تشاء، وتمارس شعائرها الدينية بحرية، وإن كانت مكانة المسيحيين واليهود “أهل الكتاب” أفضل نسبيًّا من غيرهم. كما نلمسه بوضوح عند تناول مسألة المواطنة والمساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن دينهم، وعندما نتناول مسألة حقوق المرأة والمساواة بينها والرجل؛ فنجد الدكتور يوسف حاشي، يعبّر عن ذلك بالقول: “إشكالية خطيرة، تتمثل في حالة الانفصام، الذي يعيشه المجتمع العربي الإسلامي، إذ لا يمكن أن ينصّ الدستور على الدين كدين دولة، أو كمصدر من مصادر القانون، ويكون في الوقت نفسه خارج دائرة الكتلة الدستورية”، ويُضيف: “إن ميزان الشرعية مرّة أخرى، يصاب بزلزلة في كيانه، ولعلها ظاهرة للعيان في كل يوم، وفي كلّ التأزمات […] التي يعيشها المجتمع العربي”(7)

يمكن القول، أيضًا، إنّ اعتماد النص الديني في الدستور، قد يؤدي إلى تناقض القواعد القانونية، ليس على صعيد الدستور فحسب، إنما على صعيد التشريع العادي أيضًا. أسوق مثالا واضحًا من الدستور الإيراني؛ فقد نصت الفقرة 14 من مادته الثالثة على وجوب “ضمان الحقوق لجميع المواطنين، نساءً ورجالًا، وإيجاد الضمانات القضائية العادلة لهم، ومساواتهم أمام القانون”. بينما ضربت المادة 115 من الدستور عرض الحائط بتلك المساواة باشتراطها أن يكون المرشح للرئاسة شخصية دينية “يُنتخب رئيس الجمهورية من بين شخصيات دينية وسياسية تتوافر فيها المواصفات التالية”(8)

وفي الدستور المصري لعام 2014 نقرأ في المادة الثانية أن الشريعة الإسلامية، هي المصدر الرئيس للتشريع، بينما نقرأ في الماد 64 ما يفيد بأن” حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون” (9)

2. فتح المجال أمام الاستغلال السياسي للدستور
كثيرًا ما شكل الدين والمقدّس، عبر التاريخ، مدخلًا رئيسًا للسلطات الحاكمة لمدّ نفوذها وإِحكام سيطرتها على شعوبها، فكانت سلطات أوروبا الإقطاعية في العصور الوسطى تعتمد الدين؛ لشرعنة حكمها وإضفاء القداسة على تصرفاتها، وإبعاد المساءلة عنها، وتاريخ العرب والمسلمين مليء بالأمثلة والدروس. واستخدام الرموز الدينية في الحروب، دليل ساطع على ذلك، بدءًا من الحروب الصليبية التي انطلقت في أواخر القرن الحادي عشر، وصولًا إلى العدوان الروسي الهمجي على سورية أواخر العام الماضي 2015، وما بينهما. ولا ننسَ في عصرنا الحديث حروب الطاغية صدام حسين، والتنظيمات العدمية كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
يشكل النص الديني في الدستور، مدخلًا سهلًا لتسلل الانتهازيين، وأصحاب المصالح والمشاريع السياسية الخاصة، وغير الوطنية، عبر رفع لواء الإسلام، ومصالح المسلمين، واستغلال العاطفة الدينية لدى الأكثرية لجلب التأييد، فالمزايدات في المجال الديني، وفي بيئة متدينة ومحافظة، غالبا ما تُثمر.

سأذكر مثالًا معبرًا: فعندما وصل السادات إلى السلطة في مصر، بعد وفاة عبد الناصر، استغل العامل الديني، والعاطفة الدينية عند المصريين لكسب ودِّهم، وتكوين شرعية جديدة متمايزة عن شرعية نظام عبد الناصر. وتقوم على إضفاء الطابع الديني على الدولة المصرية، فقام عام 1971 بإجراء تعديل على المادة الثانية من الدستور، حيث أضيف إليها أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، بعد أن كانت المادة تكتفي بالنص على أن الإسلام دين الدولة. ثم عاد السادات في العام 1980، وأجرى تعديلًا جديدًا على الدستور أصبحت بموجبه الشريعة الإسلامية “المصدر الرئيس” للتشريع، لكن لغرض سياسي آخر هذه المرة، هو تمرير تعديل على المادة 77 من الدستور، يمنحه إمكانية الاستمرار في الحكم لأجل غير محدد. وهكذا صوت المصريون على مادة كارثية في الدستور المصري، تسمح للرئيس بتأبيد حكمه، مقابل إعلاء مكانة الشريعة في الدستور، لتصبح المصدر الوحيد للتشريع (10). ولسوء حظ السادات فقد اغتيل بعدها بسنة واحدة، على يد الإسلاميين أنفسهم، ليأتي التعديل من نصيب حسني مبارك.

3. إضعاف الشعور بالانتماء الوطني عند أبناء الأقليات الدينية
وتبرز هذه المشكلة خصوصًا، في الدول التي تتمتع بالتنوع الديني والإثني والثقافي، كسورية، فعندما يُعطى دين من الأديان ميزة تفضيلية في الدستور، فإن أتباع الديانات والمذاهب الأخرى سيشعرون بالإقصاء والتهميش، وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وأن في الوطن من هو أبرز مكانة منهم، ويتمتع بامتيازات تفضيلية بحكم انتمائه إلى دين الأكثرية فحسب، وليس بحكم جدارته وإنجازاته، وقد يُمتَنع عليهم التقدم لوظائف معينة، أو الترشح لمنصب الرئاسة، أو ممارسة شعائرهم الدينية. هذا الشعور السلبي، يقود إلى إضعاف شعورهم بالانتماء الوطني الحقيقي، والذي لا يقوم إلا على أساس المواطنة، والمساواة التامة بين المواطنين؛ فهل يشعر أقباط مصر، عمومًا، بأنهم مواطنون كاملو الحقوق؟ وما حال البهائيين بالأحرى؟ وماذا عن الشيعة في السعودية مثلًا؟
رابعًا: النص الديني في الدستور والضمانات والمعايير الدولية
يمكن القول إن الضمانات والمعايير الدولية، المتعلقة بحرية الأديان والمعتقدات، تنحصر في وثيقتين صادرتين عن الأمم المتحدة، الأولى هي “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948، والذي تنص مادته الثامنة عشرة على أن “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرًا أم مع الجماعة” (11).
أما الوثيقة الثانية؛ فهي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة عام 1966، والذي تنص مادته الثامنة عشرة على ما يلي:
•لكل إنسان الحق في حرية الفكر والعقيدة والدين، يشمل حريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وعلنًا أو على حدة.
• لا يجوز تعريض أحد لإكراه، من شأنه أن يخل بحريته، في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
• لا يجوز تقييد حرية الإنسان، في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون، والتي تقتضيها حماية السلامة العامة، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين، وحرياتهم الأساسية.
• تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيًّا وخلقيًّا وفقًا لمعتقداتهم الخاصة”.
أما المادة 27 من العهد نفسه؛ فتنص على أنه “لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى هذه الأقليات من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو اﻟﻤﺠاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم”(12)
يمكننا، اعتمادًا على النصوص أعلاه، تلخيص أهم الضمانات والمعايير الدولية التي يُفترض بالدول مراعاتها واعتمادها في دساتيرها:
•  لكل فرد الحرية التامة في اعتناق أي دين، وفي ممارسة شعائر دينه وطقوسه، بمفرده أو مع الجماعة، خفية أو علنًا، وكذلك حريته تعليم دينه أو التبشير به.
• تقييد الحرية المذكورة لا يجوز إلا بموجب قوانين تتطلبها السلامة العامة، والنظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حقوق الآخرين وحرياتهم.
ننتقل الآن إلى السؤال الجوهري الذي يخص بحثنا هذا، وهو: هل يتعارض اعتماد دين للدولة في الدستور، أو اعتماد الشريعة كمصدر للتشريع، مع هذه المعايير والضمانات الدولية؟ وماذا لو نص الدستور على هذه الضمانات إلى جانب النصوص الدينية؟
بالنسبة إلى المعايير الدولية؛ فلا ضير في أن تتبنى الدولة دين أغلبية سكانها، وتعدّه دينا لها، شرط ألاّ يترتب على ذلك أي انتهاك للحقوق المدنية والسياسية، أو أي تمييز ضد المؤمنين بديانات أخرى، أو ضد غير المؤمنين.
فقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن” مجرد وجود دين رسمي للدولة أو وجود كنيسة مسيطرة لا يخالف حق الحرية في الدين أو المعتقد، طالما أن الأفراد يتمتعون بحرية ترك هذا الدين أو الكنيسة” (13)
وفي معرض تعليقها على المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة: “إن الاعتراف بديانة ما باعتبارها دين الدولة، أو الدين الرسمي أو التقليدي، أو باعتبار أن أتباعها يشكلون أغلبية السكان، يجب ألا يؤدي الى إعاقة التمتع بأي حق من الحقوق المنصوص عليها في العهد بما في ذلك المادتان 18 و 27، كما يجب ألا يؤدي الى أي تمييز ضد أتباع الديانات الأخرى، أو الأشخاص غير المؤمنين بأي دين”. (14)
استناد إلى ذلك؛ فإن وجود النص الديني في الدستور لا يحول، مبدئيًا، دون عدّه مطابقًا للمعايير الدولية إذا نص، أيضًا، على الضمانات الدولية المعتمدة في هذا الخصوص، وكانت النصوص الدينية لا تتعارض مع هذه الضمانات. لذلك يمكن عدّ كثير من الدساتير التي تعتمد الإسلام كدين للدولة، أو كمصدر للتشريع، أنها منسجمة مع المعايير القانونية الدولية ذات الصلة.

لكن يبقى هناك، من وجهة نظري، عدد من النقاط الإشكالية لا بدّ من ذكرها:
•  تتلخص الأولى في مدى القدرة على تجاوز التعارض بين بعض الصيَغ الدينية التي ترد في بعض الدساتير، وتلك الضمانات الموجودة في الدساتير نفسها، وهذا لا أراه ممكنًا إلا على حساب تهميش أحدهما؛ النص الديني أو الضمانات، فاحترام كليهما يؤدي إلى تعارض وتناقض خطرين، يهددان بنسف الضمانات في أي وقت، فاحترام أحكام الشريعة واحترام حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية للجميع في الوقت نفسه، أمر لا يمكن تخيله، ولا بد إذًا من احترام أحدهما وإهمال الآخر، عبر التعامل معه كنص شكلي، وحتى التهميش قد لا يدوم مع تغير الظروف وموازين القوى. وقد ذكرنا أعلاه، كيف أن السادات وجد أن من مصلحته، المزاودة في المسألة الدينية لتحقيق مكاسب سياسية.
• أما الثانية فتتعلق بالتطبيق والممارسة، فالدساتير في عالمنا العربي، مع وجود أنظمة متسلطة فاسدة، وقضاء ضعيف الاستقلالية، ومع عدم رسوخ قيم الدولة الوطنية الحديثة، نجدها دساتير شكلية إلى حد كبير، ولا تعكس الواقع بالضرورة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحريات وحقوق الإنسان.
•   دستور المختلفة، وعلى رأسها التعارض بين النص الديني وباقي النصوص.
•  أما الرابعة فتتلخص بعدم وجود تعريفات واضحة متفق عليها للمصطلحات الدينية، كالشريعة، ومبادئ الشريعة، وعدم وجود جهات مرجعية يناط بها وضع تعريف لهذه المصطلحات.

في جميع الأحوال، لا تستطيع الدول الدينية كالسعودية وأفغانستان وإيران، توفير ضمانات تتوافق مع المعايير الدولية، كذلك يتعذر ذلك على الدول التي تتبنى صيغًا دينية مشددة في دساتيرها، مثل “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع” حتى لو تبنت ظاهريا كافة المعايير الدولية ذات العلاقة. فمصر تفرض حظرًا على ممارسة البهائيين شعائرهم الدينية، بوصفهم ليسوا من أهل الكتاب، وديانتهم غير معترف بها، مما استدعى إدانة رسمية من جانب لجنة حقوق الإنسان، التي عدّت الحظر تجاوزًا على حق حرية الدين والمعتقد، وطالبت الحكومة المصرية باحترام المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في تشريعاتها وفي تطبيق تلك التشريعات. (15)
خامسًا: حول إشكالية الدين في الدستور السوري المقبل
لو انفصلنا عن الواقع قليلًا، وأردنا تقديم نصيحة للسوريين بشأن كتابة دستورهم المقبل، لما وجدنا خيراً من القول: إن الدستور العَلماني هو الحل، الدستور الذي يفصل النص المقدس عن هموم الحُكم والتشريع، ويتبنى مبادئ الدولة الوطنية الحديثة وقيمها، ويدفع البلاد نحو المستقبل؛ فالتعدد، والتنوع الديني، والقومي والثقافي، يقتضي ذلك، وامتلاك ناصية المستقبل، وأسباب التقدم تقتضي ذلك، ونزع فتيل التوتر والاحتقان، والشعور بالإقصاء، يقتضي ذلك، وتعزيز قيم المواطنة والمساواة يقتضي ذلك.
لكن الواقع شيء مختلف، وهو أعند من الجميع، والانفصال عنه خطيئة كبرى، من شأنها تعميق الأزمة أكثر مما هي عليه.
والواقع يقول إن سورية بلد التعددية والتنوع، وإن شروخا غائرة أصابت العلاقة بين فئاتها الدينية والقومية، بسبب حكم الطغمة، وإدارتها السامة لهذه العلاقة على مدى خمسة وأربعين عامًا، وبسبب هذه الحرب الكارثية الرهيبة القذرة، المستمرة بلا هوادة، منذ إقلاع الثورة السورية في ربيع العام 2011. والواقع يقول، أيضًا، إن ثمة مظلومية سنية رهيبة قيد التشكل، وهي تتضخم يوما بعد يوم، مع استمرار استهداف أهل السنة، تحديدا بهذا العنف المفرط، ولا بد لهذه المظلومية أن تنعكس على تفاصيل العملية الانتقالية، وترتيباتها كلّها، وعلى رأسها كتابة الدستور، وإن النص الديني سيكون مطلوبا بشدة من جانب الأكثرية السنية في سعيها لتعزيز موقعها في الدستور. وفي المقابل، وخوفا من استئثار الأكثرية السنية بالحكم، واستغلال أغلبيتها لتصفية حساباتها مع الآخرين؛ فستسعى الأقليات الدينية، ومعها كل العَلمانيين، واللا دينيين، نحو دستور عَلماني يُبعد النص الديني عن الدستور، وينزع هذه الورقة من يد الأكثرية. والعلاقة طردية بين مظلومية السنة التي تجعلهم أكثر تمسّكا بالنص الديني، وهواجس الآخرين، التي تجعلهم أكثر رفضا للنص الديني.

لا أعرف ما سيكون عليه حال السوريين في لحظة كتابة الدستور، أي بعد ثلاث أو أربع سنوات من بدء المرحلة الانتقالية، ولا أعرف مدى تأثير ما سيجري في المرحلة الانتقالية على تخفيض مستويات الاحتقان والتوتر، وعدم الثقة بين فئات المجتمع، لكنني أعتقد أن الإنجاز في هذا المجال، مهما كان طيبًا، فإنه لن يكون كافيًا بالتأكيد لإزالة عقابيل المرحلة السابقة، وتوفير بيئة مناسبة لكتابة الدستور الأفضل، خاصة وأن الإفلات من العقاب، وتجاهل محطة العدالة الانتقالية، هو الاحتمال المرجح حسبما يبدو عليه المشهد السوري، وما يوحي به تصرف اللاعبين الكبار فيه. لذلك لا بد أن تكون هناك تسويات وتنازلات يقدمها الجميع. ولا بد أن يأتي الدستور توافقيا، ومقبولًا في الحد الأدنى من الجميع.
يعني هذا الكلام، أن النص الديني سيحضر بطريقة أو بأخرى، وتصبح المهمة هي التخفيف من وطأة حضوره، وتعطيل فرص استثماره من جانب المتشددين أو الانتهازيين.
في هذا الصدد يمكنني تقديم الملاحظات التالية:
1 بالنسبة إلى تعبير “دين الدولة” فهو تعبير يحمل مدلولًا رمزيًّا لا أكثر كما ذكرنا، ويشير إلى انتماء البلد إلى الفضاء الثقافي الإسلامي، ولا يترتب على وجوده أي تبعات قانونية، أو التزامات دستورية، لذلك لا ضير من القبول بوجوده، لكن يفضل استبدال تعبير آخر أكثر واقعية وقبولًا به، وهو “الإسلام دين الأغلبية”. ففي هذه الحال نربط الدين بالناس الذين يحملون الدين فعلًا، ونبعده عن الدولة التي لا يمكن أن يكون لها دين، ونكون كمن يصف الواقع لا أكثر. كما يمكن في هذه الحال، الإشارة إلى الأديان الأخرى، وإرضاء أتباعها.
2. بالنسبة إلى كون الشريعة مصدر للتشريع، فهذه مسألة حساسة ومؤثرة، ويمكن أن نقول بشأنها ما يلي:
•  يفضل بشدة ألّا تكون موجودة؛ لتجنب آثارها الإشكالية، وتبعاتها العديدة، التي ذكرناها في فقرة خاصة أعلاه.
• إذا كان لا بد من ورودها، فيفضل أن تأتي في صيغة “مصدر من مصادر التشريع” ورفض الصيغ الأخرى كـ”مصدر رئيس – المصدر الرئيس – المصدر الوحيد” كما يفضل التأكيد على أن “مبادئ الشريعة الإسلامية، هي مصدر من مصادر التشريع” وليس “أحكام الشريعة الإسلامية” لأن الأحكام تُدخلنا في مجال التراث الإسلامي، والفقه الإسلامي الواسع، والمتشعب، والمتعدد، والخلافي، بينما المبادئ ثابتة، ومعروفة، وقليلة، وغير خلافية.
3.         بالنسبة إلى دين رئيس الدولة، فالعبارة من شأنها أن تُقصي غير المسلمين عن هذا المنصب، وتجعله حكرا على أتباع ديانة الأغلبية، وهذا يجرح مبدأ المواطنة القائم على المساواة، ويزعج غير المسلمين، وأكرر ما ذكرته أعلاه في أن ذلك يحرم المسلمين أنفسهم، من إمكانية اختيار رئيس من دين آخر، إذا رغبوا فيه. ولا مبرر له على الإطلاق، طالما أن أصوات الأغلبية، هي من سيحدد الرئيس.
4لا بدّ أن ينصّ الدستور على ضمانات كافية، وواضحة حول حرية الدين والمعتقد، وأن يتبنّى الوثائق الدولية ذات العلاقة، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
5 لا بدّ من وجود جهة قضائية مؤهلة ومستقلة، وذات صلاحية، لضمان عدم الاستخدام السيء، والمغرض، للنص الديني في الدستور.

أخيرًا، أقول: إن إبعاد النص الديني عن الدستور، والتركيز في بناء القواعد الدستورية على ضمان حقوق الأفراد، وحرياتهم الشخصية، ومن ضمنها حرية الاعتقاد، واختيار الدين، وممارسة الشعائر الدينية، هو ضمانة جيدة لا يجوز التفريط فيها، لنجاح تجربتنا المقبلة في بناء دولتنا.
أما الإسلام، فقبل أن يكون نصًّا دستوريًا، هو واقع مُعاش، وحقيقة اجتماعية وثقافية راسخة، في نفوس معتنقيه وضمائرهم، عبر مئات السنين، ووجوده ضمن نصوص دستورية لا يضيف شيئا إلى مكانته، بل العكس هو الصحيح، وفصل المجالين هو خير خالص لكليهما.
هوامش ومراجع
1- العلاقة بين الدين والدولة، والحق في حرية الدين والمعتقد – اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية
http://www.parliament.gov.sy/SD08/msf/1435496695_.pdf

2- http://hrlibrary.umn.edu/research/gambia-constitution.pdf

The Laws 7. in addition to this Constitution, the laws of The Gambia consist of:
(f) The sharia as regards matters of marriage, divorce and inheritance among members of the communities to which it applies.

3- الفقرتان 1 و 2 من المادة الخامسة من دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005
http://nec.org.sd/wp-content/uploads/2013/08/Interim-Constitution-of-the-Sudan-2005.pdf
4- رئيس الجمهورية يرأس مجلس القضاء الأعلى، وهو من يعين قضاة المحكمة الدستورية السبع.
5- http://www.alukah.net/culture/0/55355/#ixzz4GUKmDD00
6- يسمي السعوديون دستورهم بالنظام الأساسي للحكم عادّين أن دستورهم هو كتاب الله وسنة رسوله
7- http://www.al-madina.com/node/427678
8- دستور إيران
https://www.constituteproject.org/constitution/Iran_1989.pdf?lang=ar
9-https://www.constituteproject.org/constitution/Egypt_2014.pdf?lang=ar
10- http://www.constitutionnet.org/files/constitution_of_1980-     arabic.pdf
11- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون أول عام 1948 بالقرار رقم 217/أ
12- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون أول 1966 بالقرار 2200/أ
13- http://www.parliament.gov.sy/SD08/msf/1435496695_.pdf
14- الأمم المتحدة – الصكوك الدولية لحقوق الإنسان – المجلد الأول – تجميع للتعليقات العامة والتوصيات العامة التي اعتمدتها هيئات معاهدات حقوق الإنسان – التعليق رقم 22 : (حق حرية الفكر والوجدان والدين).
15- http://www.parliament.gov.sy/SD08/msf/1435496695_.pdf


شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق