مقالات | فحولة الفتاوى وأجساد النساء…بقلم ريتا فرج.





بقلم ريتا فرج
لم يشهد التاريخ الإسلامي المعاصر هذا الزخم الإفتائي الخاص بالمرأة إذا ما قورن في المراحل السابقة. يفاجئنا بعض المفتين بين فترة وأخرى بفتاوى عن النساء لا علاقة لها بالدين ولا بالمنظور المساواتي العام الذي كرسه القرآن في آيات عدة. يسيطر على تركيبة هذه الفتاوى النسق الاقصائي/الفحولي الذي ينمّ عن هوام fantasme جنسي يجعل الأنثى فاعلاً سلبياً خارج دائرة الذكورة القادرة والفاعلة.
ليس التضاد التاريخي بين المقدس والأنثوي عاملاً طارئاً على الأديان التوحيدية، وإن تراجع حضوره في المسيحية واليهودية تحت وطأة الحداثة، وتكريس المساواة بين الجنسين في الغرب، من دون نفي وقوع الاستثناء. وإذا عدنا إلى كتاب الأحكام العبرية فقد جاء في المادة 433 منه: “ليس للمرأة أن تطلب الطلاق مهما كانت عيوب زوجها حتى ولو ثبت عليه الزنا”؛ في حين تفرض المادة 414 على اليهودية حق الطاعة التامة والامتثال الكلي في جميع ما يأمر به زوجها، “فعليها ألا تخالفه في شيء مما يطلبه منها، بل تمتثل له كما تمتثل الجارية لسيدها”. تساءل أحد آباء الكنيسة القديس أوغسطين عمّا إذا كان سبب من أجله خلق الله النساء، “فالرجل عنده هو الروح السامية، والأنثى هي الأدنى ذات الجسد والشهوة الجنسية“.
إن غياب الناظم المؤسساتي للفتاوى في الإسلام، برغم المحاولات التي جرت، وهو موضوع آخر، يدفع إلى استشراء ظاهرة المفتين غب الطلب، ومعلوم أن ثمة ضوابط للفتوى من بينها: الاعتماد على الأدلة الشرعية: القرآن والسُنّة والإجماع والقياس، تعلُّق الفتوى بموضوع الاستفتاء، وسلامة الفتوى من الغموض، ومراعاة الحال والزمان والمكان.
تفاقمت في السنوات الأخيرة عجائب الفتاوى المتعلقة بالنساء، وساعد تنامي ظاهرة الفضائيات الدينية والمواقع الإلكترونية على نقل أصوات المفتين الذين يفتون بأنواع لا تحصى تتراوح بين الخاص والعام. وبعدما نادى الشيخ عزت عطية بفتوى “إرضاع الكبير”، ما لبث أن تراجع عنها لاحقاً، أفتى رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل عبد الباري الزمزمي بأن “الدين الإسلامي يبيح ممارسة الجنس على الجثث، بشرط إذا كان الطرفان يربطهما عقد القران قبل الموت؛ ولا حرج إذا أراد الرجل الزوج ممارسة الجنس مع جثة زوجته بعد ساعات من موتها”. بعدها، طالعنا بجديده حيث اعتبر أن “الاحتكاك بين المرأة والرجل في الحافلات لا يفسد الصيام حتى لو نجم عنه قذف، فثمة ظروف إضطرارية، خصوصاً في ظل غياب بديل عن هذه المواصلات المكتظة، وإلاّ فكيف سيتمكن المرء من الالتحاق بمنزله أو عمله”. غير أن أغرب فتوى أتت هذه المرة من أحد الشيوخ المقيمين في أوروبا فحرم على المرأة تناول الخيار أو الموز والجزر حتى لا تُستثار جنسياً. وقال إذا أرادت أن تأكل هذا النوع من الخضروات لا بد من تقطيعها من قبل محرم كي لا تمسكها بحجمها الطبيعي. وكان الشيخ السعودي صالح بن سعد اللحُيدان حذر من التأثير السلبي لقيادة المرأة السيارة، مؤكداً أنه ربما يعرض صحتها للخطر لما له من تأثير في المبيض ومنطقة الحوض، وجاءت فتواه بعد إطلاق حملة لقيادة المرأة السعودية السيارة.
ليس بعيداً عن شيوخ العصر، يُعد ابن تيمية كأحد أبرز ممثلي المنظومة الدينية الحنبلية في الإسلام، انعكاس الماضي على الحاضر، فالمرأة عنده كلها عورة. إلى ذلك، وضّح الفرق بين ختان الرجل وختان المرأة “إن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المختفية في القلفة، والمقصود بختان المرأة التعديل من شهوتها، فإنها إن كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة، فإن القلفاء تتطلع الى الرجال أكثر“. اختلف الفقهاء في الإسلام حول الختان (أو الخفاض): رأت فيه الشافعية والحنبلية واجباً، في حين أن المذاهب الأخرى نظرت إليه كـ”مكرمة” أي مستحب. وقد أفرد ابن القيم الجوزية فصلاً في “تحفة المودود بأحكام المولود” للحديث عن الختان، وأشار إلى استحسان ختن المرأة البظراء، حتى وإن كانت في سن متأخرة.
شغل اعتلاء المرأة للرجل خلال الممارسة الجنسية بال الإمام جلال الدين السيوطي الذي قال: “الويل كل الويل لمن جعل نفسه أرضاً والمرأة سماء، فإنها تمكِّن منه أنواع البلاء” (نحيل على كتاب هيثم سرحان، خطاب الجنس مقاربات في الأدب العربي القديم، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2010). هذه الصفة كما تذهب الباحثة التونسية آمال قرامي “صفة محمودة في المرأة ودليل عفة، في حين أن الغلمة، عيب، فالشوق الأنثوي هو أمارة من أمارات فتنة النساء التي لا غاية لها سوى تقويض سلطة الرجال”. لقد ألحّ العلماء على ضرورة أن يكون الرجل معتلياً المرأة أثناء الجماع واستاؤوا من العكس. ويبدو أن موقف اعتلاء المرأة الرجل عند النكاح كان معروفاً قبل ظهور الإسلام، إذ روي أن العرب كانوا يحرمون إتيان المرأة وظهرها الى السماء. (انظر: الاختلاف في الثقافة العربية الاسلامية، دار المدار الإسلامي).
تمكن بعض الفقهاء في الإسلام من تكبيل الجسد الأنثوي بتفاصيله وتضاريسه، ونظروا إليه بوصفه خريطة جنسية تختزن الإثارة بدءاً من الشعر وصولاً إلى أخمص القدمين. هم ينطلقون من مبدأ أساسي قوامه مركزية الذكورة وهامشية الأنوثة، كأننا أمام عالمين متعارضين، أسود وأبيض، إيجابي وسلبي، فاعل ومتلقٍ. تتجلى الفحولة عندهم ليس في الفتاوى الخاصة بالنساء وأجسادهن فحسب، بل في هذا التوجس من خروج الأنثوي عن الحدود المرسومة إلى المجال العام الذي يعني أيضاً مقارعة الرجل على السلطة في الداخل والخارج. يمكن الحديث هنا عن خاصية تاريخية مجتمعية دينية أطلق عليها المختصون “التمركز حول الرجل”؛ هذا مصطلح صكته الكاتبة الأميركية شارلوت بيركينز غيلمان في كتابها “عالم صنعه الرجال، أو ثقافتنا المتمركزة حول الرجل” وهو يشير إلى نظام للتفكير يتمركز حول هوية الرجل وقيمه، ويعتبر المرأة حياداً عن المعيار الذي يتحدد بالإحالة على الرجل. فالرجل هو الجنس الأرقى على تنظيم المؤسسات الاجتماعية بحيث يصبح النظام المتمركز حول الرجل مستديماً من تلقاء نفسه، فيكافئ الجنس الأرقى بمنحه مزيداً من الموارد بصورة تلقائية.

الجسد الأنثوي عند الفقهاء، جسد مشتهى إذا التصق بالرغبة الذكورية ومنبوذ إذا كان فاعلاً ومؤثراً. يمكن الخروج بفرضيتين، الأولى، توتر العلاقة بين الأنثوي والإسلام الفقهي، كلما اتسعت الفجوة بين المرأة والدور الذي حدده الفقهاء المتقدمون والمتأخرون؛ والثانية، منع الأنثوي، باسم الدين، من التعبير في الفضاءين الخاص والعام، عبر الفصل وتشريط الجسد وعزله، ما يؤشر إلى قهر ذكوري/بطركي له هوية دينية، ومخزون مجتمعي لا يقل قهراً عن المنظومة الفقهية.

صوت العلمانية
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق