مقالات | المرأة بين مقاصد الإسلام وممارسات الإسلاميين بقلم احمد الرمح.



بقلم:أحمد الرمح
كاتب وباحث سوري،
 يـكتب فـي إصـلاح
الفكر الديني، عضو
 في المنتدى العالمي
 للإسلام الديمقراطي.

لا يمكن لمشروع التنوير الديني أن ينجح دون أن يضع في أولوياته موضوع المرأة؛ حتى يصل إلى رؤية حاسمة بشأنه، ولا يمكن أن تتحرر المرأة مما حاق بها من ظلم واضطهاد وتهميش ما لم تتحطّم الثقافة الذكورية في عقل الرجل؛ ليتحرر هو ذاته من وهِم تفوقه وأفضليته على المرأة.

والحقيقة التي لا بد أن نعترف بها أن ظلمًا كبيرًا ألحقه بالمرأة بعض الفقهاء؛ سلَبها حقوقًا كثيرة منحها الإسلام لها من خلال قانون الطوارئ الإسلامي المسمى أصوليًا (سد الذرائع) ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعًا أعرجًا بعد أن اعتقل المرأة بالبيت وغدت مهمّشةَ الدورِ والوظيفة؛ لا ينظر إليها إلا كمتعة جنسية أو جارية تسهر على خدمة بعلها وأولادها دون أن يكون لها حقوق تُذكر!

وهذا يعني أن ما أصاب المرأة من ظلم باسم الدين؛ الإسلامُ منه براء، فمن يدرس الإسلام من خلال القرآن الكريم وسنة نبيه الصحيحة سيجد البون شاسعًا في حقوق المرأة ما بين مقاصد الإسلام وممارسات الإسلاميين.

لقد جعل فقهاء سد الذريعة صوتها محرمًا منكرًا، وهذا ما لم يقل به الإسلام؛ وحرموها حقّها السياسي وهذا مخالف للإسلام؛ ومنعوها من التعليم، وهو الذي فرضه الإسلام؛ وجعلوها تابعة للرجل، وقد ساوى بينهما الإسلام، وقالوا بأن شهادتها تعادل نصف شهادة الرجل، وهذا افتراء على الإسلام، وقالوا بأن النساء ناقصات عقل ودين وهذه فريّة على رسول الإسلام، ودلَّسوا بأنها مخلوقة من ضلع أعوج للرجل، وهذا من التوراة لا من الإسلام.

فالقرآن الكريم مرجعنا وحجتنا في ذلك؛ ساوى بين المرأة والرجل، في حين نحن لا نزال نتجادل: هل تجوز المساواة بينهما أم لا؟ أما القرآن، فقد حسم القضية، وأقرّ تلك المساواة وأكدّ أنّ دورها حقوقيًا وسياسيًا ودعويًا وإنسانيًا لا يختلف عن دور الرجل:

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة:71)

وعلينا أن نفرِّق بين المساواة والتساوي؟ فالمساواة مسألة حقوقية إنسانية، لا يحق لأحد سلبها؛ أما التساوي فهو مفهوم وظيفي فيزيولوجي متعلق ببعض الوظائف والمهمات؛ حيث تجب مراعاة طبيعة المرأة في العمل المنوط بها، كما دافع القرآن عن الرجل والمرأة دون تفريق:

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا(الأحزاب:58)

ولك أن تدرك تلك المساواة حينما تعلم أن كلمة “امرأة” ذُكرت في القرآن 24 مرة وكلمة “رجل” 24 مرة.

كما أكد أن ثواب العمل الصالح في الدنيا والآخرة هما فيه صنوان إذ قال:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(النمل:97)

وأكدّ الجنوسة (الجندرة) في الخطاب، وأمر أن يكون استغفار النبي لكليهما بقوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ(محمد:19)

وبيّن أنّ التكريم الإلهي للإنسان لا تمييز فيه بين المرأة والرجل:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً(الإسراء:70)

وعندما قال بعض الفقهاء بأن صوتها عورة؛ كان الله يعاتب النبي ليؤكد أن من حقها رفع صوتها بالشكوى كما الرجل؛ إذا ما تعرضت لظلم وأطلق اسم سورة قرآنية لذلك، وهي سورة المجادِلة (بكسر الدال):

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.(المجادِلة:1)

وفي الوقت الذي لا يزال فقهاء الثقافة الذكورية يمنعونها من حقها السياسي بالترشيح والانتخاب؛ أكد القرآن أنّ ذلك من حقها بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ.(الممتحنة:12)

فكيف نقبل انتخابهن وبيعتهن لرسول الله؛ ونحرمهن هذا الحق لمن هم دونه بكثير؟! وأما شرط الذكورة في الترشح والانتخاب، فهو شرط ابتدعه الماوردي في أحكامه السلطانية، ما أنزل الله به من سلطان؛ ولقد رشّحتْ أم المؤمنين عائشة نفسَها لقيادة المعارضة؛ وتزعمتها ضد علي بن أبي طالب، ولم يعترض أحد عليها كونها امرأة.

ومنحها النبي حقًا سياسيًا لم تمنحه أكثر الأنظمة تقدمًا في هذا الباب؛ عندما أجاز لها منح حق كفالة وإجارة مَنْ بينه وبين النظام الحاكم خلافًا سياسيًا؛ حتى لو وصل إلى القتال، فقد روى الترمذي في فتح مكّة أنّ بعض المحاربين للإسلام استجار بأم هانئ، ابنة عمَّ النبي، فقبل النبي إجارتها قائلًا: أجرنا من أجرتِ يا أمَّ هانئ.

وفي الوقت الذي ذمّ فيه القرآن الكريم رجالًا في قيادتهم، واستبدادهم السلطوي؛ مدح المرأة كسياسية وقائدة، من خلال ملكة سبأ التي كانت أول من أسّس مبدأ الشورى وعدم التفرد باتخاذ القرار، وأطلق على “أهم” سوره أسماء نسوية (مريم+ المجادِلة+ النساء)، كما مدح زوجة فرعون(آسيا)؛ لرفضها سياسة زوجها المستبدة، وأشاد بفراسة بنت الرجل الصالح (في مَدين)، من خلال رأيها في موسى عليه السلام؛ وبارك صدق (امرأة آل عمران) لما نذرت ما في بطنها لله، وجعل مريم عليها السلام سيدة نساء العالمين.

وأعاد لها حق أن تتعلم وتُعلم، كما هو حال الصحابية، الشفاء بنت عبد الله العدوية؛ حتى كلفها النبي بمسؤولية الحسبة، وهو مركز يعادل وزارة التموين في أيامنا هذه، على الرغم من وجود كبار الصحابة من الرجال؛ وهذا يعني أنها تختلط في السوق وتراقب سلوك التجار وبيع الناس وشراءهم.


إن الإسلام احترم المرأة، وصان حقوقها؛ ورفض التسلط الذكوري عليها؛ وأكد أن المرأة والرجل متساويان في التكليف الإلهي والوظائف الدنيوية، إلا أن العقلية الذكورية وتسلطها عادت باسم سد الذريعة لتسلبها كثيرًا من تلك الحقوق؛ لتصدر فتاوى تمنع المرأة من القيام بدورها بذريعة الخوف من الفتنة؛ ما دفع بالآخرين كي يطالبوا بتقليد المرأة الأوربية في كل شيء، ورحم الله الشيخ محمد الغزالي عندما قال: بعض المتحدثين في الإسلام يبغي العودة بالمرأة إلى التقاليد البدوية، أو الأوضاع الجاهلية المزدرية للأنوثة، كما أن بعضًا آخر يريد تقليد أوروبا في كل شيء، وأحكام الإسلام أشرف من أن يثرثر بها هؤلاء وأولئك.

المصدر: جيرون
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق