![]() |
بقلم:نواف الركاد
باحث سياسي ، متخصص في
العلاقات الدولية كاتب في عدة
صحف سابقا كاتب سوري مقيم
في ألمانيا من مدينة القامشلي
|
النقيض في الفلسفة هو قضيّة تعارض دعوى
معيّنة , فالأبيض نقيض الأسود و ليس معاكساً له بسبب تعدّد الألوان و الذهب نقيض
الفضّة و ليس معاكساً لها بسبب تعدّد المعادن , أمّا المعاكس فهو مفهوم فلسفي
مجرّد يقتضي التقابل و عدم التعدد كالخير و الشر و الحق و الباطل ... , لذا
فالعلمانيّة هي نقيض الأصوليّة و ليست معاكسةً لها , بسبب تعدد المذاهب الفلسفية
في الفكر الإنساني .
Fundamentalismالأصوليّة
لغةً هي العودة إلى الأصل و هو قاع الشيء و
ما يبنى عليه غيره , و اصطلاحاً فهي بناء الأحكام الجزئية على القواعد الكليّة ,
أمّا فلسفةّ فهي نظرة متكاملة للحياة بكافّة جوانبها السياسية و الاجتماعية و
الاقتصاديّة و الثقافيّة .
ليس للأصوليّة كفكرتاريخ يُعلم , لكن مصطلح الأصوليّة
نشأ في العصر الحديث مع بداية القرن العشرين في إنكلترا سنة 1909 حيث قامت المؤسسة
الدينية هناك بنشر كتيّبات بعنوان الأصولية تنادي بضرورة العودة إلى صحيح الدين ,
و اعتبار كل تفسير مخالف لحرفيّة النص الإنجيلي باطلاّ و لاغياً و بهذا فقد فرملت
فلسفة التأويل التي نادت بها الرشديّة اللاتينية ( نسبةً إلى الفيلسوف العربي ابن
رشد ) و التي كانت الشرارة الأولى للفكر العلماني في القارّة الأوربيّة .
و لسخرية الأقدار شهد المشرق العربي في هذه
الفترة طباعة كل كتب ابن تيميّة و محمّد بن عبدالوهّاب و نشرها , و التي تأثّر بها
محمد رشيد رضا أستاذ حسن البنّا مؤسس حركة الإخوان المسلمين فآذنت بانطلاق
الأصوليّة الإسلاميّة الجديدة .
تعريف الأصوليّة :
يعرّف الفيلسوف المصري مراد وهبة الأصوليّة بأنّها (( التفكير في النسبي بما هو
مطلق و ليس بما هو نسبي )) أي أنّها إخضاع محاكمة المسائل و الأحوال البشرية (
الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و النفسية ) النسبية إلى منطوق النص الديني
الحرفي .
و بهذا فهي تتناقض موضوعيّاً مع العلمانية
التي تقول بضرورة (( التفكير في النسبي بما هو نسبي و ليس بما هو مطلق )) .
ركائز الفكر الأصولي :
إلغاء إعمال العقل :
يقوم الفكر الأصولي على توبيخ العقل الناقد و
تكريس الفهم السائد , و بهذا فالأصوليون لا يحتملون التفكير الحر و الدراسات أو
الآراء النقدية لأن من شأنها هدم أسس فكرهم الذين يعتقدون أنه الوحيد الموصِل إلى
الجنة و المنجي من النار .
الإيمان بالحقيقة المطلقة :
يقوم الفكر الأصولي على وهم امتلاك الحقيقة
المطلقة , و عادةً ما تكون هذه الحقيقة متأتّية من مدرسة فقهيّة تاريخيّة معيّنة .
الواحديّة :
الأصوليّون لا يقبلون التعدد , لأن المطلق
واحد و إن تعددت المطلقات فهذا يعني أنها لم تعد مطلقة بل نسبية . لذلك تجد الأصوليون
الشيعة يكفّرون و يحاربون السنة , و الأصوليون السنة يكفّرون و يحاربون الشيعة و
الأصوليون اليهود يحاربون المسلمين ....إلخ .
و أذكر هنا قصة الأصولي الهندوسي الذي قتل غاندي عند باب مسجد المسلمين بسبب
زيارته له .
القتل :
للقتل نوعان هنا , المعنوي : و هو سلب
المعارض جميع حقوقه المدنيّة و السياسيّة . و القتل المادي وهو التصفية الجسدية و هي أعلى مراحل الإرهاب !
كما فعل الخميني مع موسى الصدر , و السلفيون في مصر مع فرج فودة , و داعش مع
الناشط السوري ناجي الجرف .
أمثلة تطبيقيّة على المقاربات الأصوليّة و
العلمانيّة :
مثال اقتصادي ( تخيّلي ):
قرّرت وزارة النقل السورية أن تفاضل بين
الجدوى الاقتصاديّة للباصات بين المدن و القطارات , فوجدت أن القطارات أقلّ كلفة و
أكثر مورداّ !
العلماني سيقول نعم للفكرة , أمّا الأصولي
فسيذهب لمعرفة رأي الشرع في هذا و ما المصالح و المفاسد التي يمكن أن تتأتّى منها
, و قد يذهب عقله إلى أن القطارات قد تتيح ممارسة الرذيلة في الغرف المغلقة لذا فالباصات
المكشوفة أفضل حتى و إن كان سيؤثّر ذلك على الاقتصاد الوطني .
مثال اجتماعيّ :
الاحتفال بأعياد رأس السنة و معايدة
المسيحيين في عيد الميلاد . العلماني يرحّب بها لأنه يؤمن بأن ذلك لا ينال من
إيمانه بدينه و إنّما يعبّر بها عن حبّه لأخيه الإنسان , أمّا الأصوليّ فيخضعها
للحلال و الحرام علماّ أنّها مسألة نسبيّة , لكنّه فكّر في النسبي بما هو مطلق و
ليس بما هو نسبي .
مثال علمي ( تخيّلي ) :
تظهر على السطح إشاعة نزول مخلوقات فضائية
على الأرض . العلماني يذهب لسؤال علماء الفلك و الأحياء عن صحّتها و إمكانيّتها, أما
الأصوليون فسيبحثون عنها في كتب التراث و إن لم يجدوا و لن يجدوا طبعا , فسينقسمون
إلى فريقين : الأول يقول بجوازها استناداً إلى آية (( و يخلق ما لا تعلمون )) و
الثاني إلى تحريم التعاطي بها لعدم ذكرها في القرآن و لا في السنة و لم يذكرها
أحدٌ من علماء السلف , و بعد الاختلاف سيتجهون إلى إغلاق الملف نظراً لإثارته
الفتنة .
ختاماً , الأصوليّة تسعى عبثا إلى تجميد
الزمن و تعطيل سيرورة الحضارة لكنّ العلمانية تزيل كل عقبات الطريق و تشرّع كل
الأبواب أمام تقدّم الحضارة .
نشرت في العدد/ 1 / كانون االثاني /2017 لمجلة صوت العلمانية
جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2016
0 التعليقات:
إرسال تعليق