أدب | مستعمرة الجذام محمد الماغوط.



مستعمرة الجذام
محمد الماغوط :
التوتر الحالي الذي تعيشه المنطقة أو الظروف العصبية التي تمر بها أو الخطر الصهيوني أو الاستعماري أو الامبريالي (سمه ما شئت) والذي يتهدد الوجود العربي من أكبر رأس إلى أصغر رأس في جميع أرجائها.
العرب يعزونه إلى وجود اسرائيل.
واسرائيل تعزوه إلى الاستعدادات العربية لازالتها من الوجود.
وأمريكا تعزوه إلى رغبة روسيا في الهيمنة على المنطقة.
وأوروبا تعزوه إلى التواجد الفلسطيني على أراضي لبنان.
والفلسطينيون يعزونه إلى طردهم من لبنان.
والأمم المتحدة تعزوه إلى عدم التحلي بالصبر وضبط النفس.
ومصر تعزوه إلى تجميد اتفاقيات كامب ديفيد ومفاوضات الحكم الذاتي.
وإيران تعزوه إلى حرب الخليج.
والدول الثورية تعزوه إلى عدم التمسك بأهداف الجماهير.
والدول المحافظة تعزوه إلى عدم التمسك بحبال الاسلام.
والاقتصاديون يعزونه إلى الفائض النفطي.
والخبراء يعزونه إلى أطماع اسرائيل التاريخية في المياه العربية.
والعسكريون يعزونه إلى زيادة التسلح في المنطقة.
والغربيون يعزونه إلى صواريخ "سام 6" والشرقيون إلى "أف 16".
والأقمار الصناعية تعزوه إلى تزايد الأساطيل الأجنبية في المنطقة.
وقد يذهب البعض ويلف ويدور ليصل إلى تلوث البيئة والغواصات في أعماق البحار، أو القمر والزهرة وعطارد في أعماق الفضاء، لطمس السبب الحقيقي والتاريخي ألا وهو الارهاب العربي وانعدام حرية الرأي والتعبير في هذه المنطقة.
ولذلك فكل هذه الاتصالات والمشاورات التي تجري هنا وهناك وهذه الحيرة التي تعم العواصم العربية والأجنبية حول أي القضايا الأكثر إلحاحاً للبدء بحلها. قضية الجنوب. قضية الجبل. وهل القضية اللبنانية مرتبطة بحل قضية الشرق الأوسط أولاً، أم أن حل قضية الشرق الأوسط مرتبط بحل القضية اللبنانية، لا تثير في النفس إلا الأسى والحزن، لأن العرب يعرفون وأمريكا تعرف وروسيا تعرف وجزر القمر تعرف واسرائيل أول العارفين أنه لا يمكن حل لا أزمة الجنوب ولا أزمة الشمال ولا أزمة المقاومة ولا أزمة المستوطنات ولا أزمة الحكم الذاتي ولا أزمة الحرب العراقية - الإيرانية ولا حتى أزمة بقعة الزيت الطافية في بحار الخليج، قبل حل أزمة الإنسان العربي مع السلطة، وانهاء أحكام المقاطعة العربية المطبقة عليه بنجاح منذ عام 1948 قبل الميلاد حتى الآن.
أليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي والحضاري الذي حققته البشرية وبعد مئات الجمعيات وآلاف المدارس التربوية والفنية والأدبية والمسرحية والفندقية التي تغطي أرض الوطن العربي أن تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والمواطن هي الرفس واللبط وشد الشعر؟
ترى لو أن اسرائيل منذ نشأتها وزرعها في قلب الوطن العربي بدأت بكم الأفواه وبناء السجون وتجويع العمال وسرقة الفلاحين، وكلما احتج طبيب اعتقلته، أو ارتفع صوت أخرسته، ثم انصرفت إلى التهريب والاصطياف والاستجمام وتنقيط الراقصات في ربوع اوروبا ... هل كانت تحتل الضفة الغربية وسيناء والجولان، وتدمر المفاعل النووي العراقي وتعزل مصر وتجتاح لبنان وتتطلع إلى الهند وباكستان؟
من تنشق زهرة برية أو طارد فراشة أو سمع سعال عصفور عند الفجر منذ سنوات؟
من تأمل القمر أو الغروب أو شرب الماء براحتيه من ساقية منذ قرون؟
من سمع ضحكة عربية من القلب منذ بدء التاريخ؟
لا شيء غير القتل والنهب وسفك الدماء.
لا أحد يفكر أن هناك طفولة يجب أن تنمو.
شفاهاً يجب أن تقبل.
عيوناً يجب أن تتلاقى.
أصابع يجب أن تتشابك.
خصوراً يجب أن تطوق بغير القنابل والمدى والانفجارات.
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسحب وأنهار وفراشات.
استحلفكم بتحية اعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الارهاب سنين وقروناً طويلة وها أنتم ترون إلى أين أودى بشعوبكم.

جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة وكم هي اسرائيل صغيرة .
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق