رأي | الإسلام و العلمانية..بقلم: د.عمار عرب.



بقلم: د. عمار عرب

أخصائي في جراحة الدماغ والأعصاب
 ،مقيم في ألمانيا،  كاتب إنساني و باحث
في الشؤون العلمانية و التنوير الديني و
في مجال حقوق الإنسان.
يقول أحد الوعاظ المشهورين على إحدى القنوات الفضائية ما يلي:
إن العلمانيين ملاحدة و هم يتناقضون تماما مع الإسلام فهل كلامه صحيح؟ ولماذا قال ما قال؟  ولماذا يقول قوله الكثيرون؟
في الحقيقة هذا الكلام للأسف شائع و منتشر بين الناس و الوعاظ بشكل واسع و يكفي أن تقول عن شخص أنه علماني كي ينظر الناس له على أنه مرتد عن الإسلام أو كاره للإسلام و أنا أدعي أن معظم الوعاظ والشيوخ و أتباعهم من الناس البسطاء يظنون أن كلمة علماني هي عكس كلمة مسلم و للأسف علينا بداية أن نعود لتعريف العلمانية لنعرف مدى صحة هذا الكلام المتهافت..
فالعلمانية يا سادة هي فصل الحكومة والسلطة السياسية عن المرجعيات الدينية .وتعني أيضا عدم قيام الحكومة أو الدولة بإجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين ما لأي سبب كان وبالتالي عدم اختيار وتبني دين للدولة دونا عن دين آخر.
ومن هذا التعريف نستنتج أن واعظنا الكريم ومن يعتقد باعتقاده وهم كثر إما أنه جاهل و لا يجوز لمثله أن يخرج واعظا للناس على الشاشات لأنه سيودي بهم إلى التهلكة، وإما أنه يقولها مدلسا عن قصد و هذا لأن أمثاله يريدون السيطرة على عقول البسطاء و انتزاع سلطة دينية تمكنه وأمثاله من حكم المجتمع عن طريق السيطرة و اللعب على عقول العامة و بالتالي التأثير على السلطة و التقرب منها أو التأثير حتى في اختيارها و قراراتها لا على أساس الكفاءة ولكن على أساس الولاء له ولطائفته وذلك كله كي تبقى سلطته القائمة عمليا على تخويف الناس من نار الآخرة مصورا الله عز وجل الرحمن الرحيم على أنه جلاد سادي وحاشاه ، يريد منا أن نخطئ خطأ صغيرا ليعذبنا فيبقوا بذلك في حالة طاعة وصغار و انكسار له ولأمثاله خوفا من الآخرة ، لا يستطيعون التفلت من مؤسسته الفقهية أبدا، هذه المؤسسة التي تقبل أتباعا كثر في كل سنة مفرخة الآلاف من أمثاله ممن يساعدونه في إحكام سيطرته وجماعته على العقول فيتخلف المجتمع، وذلك بدلا من أن يتوجه هؤلاء الشباب ذووا الطاقات لدراسة العلوم المفيدة للمجتمع كالرياضيات والفيزياء والفلسفة والمنطق والطب والتكنولوجيا، وعندئذ يصبح سؤال هذا الواعظ وجماعته من قبل عامة الشعب في كل كبيرة وصغيرة واجبا حتميا دائما حتى عند دخول الحمام أو في الأمور الحميمية اليومية مع الزوجات و بالتالي فمن الطبيعي أن يكون أكبر أعداء أخينا الواعظ هم العلمانيون لأنهم يريدون فصل سلطته التخويفية الطائفية عن سياسات السلطة التي من المتوجب عليها أن تعتني بأمور الناس الحياتية اليومية وأقواتهم وتطور عقولهم ومستقبل أولادهم وأن تكون حيادية وعلى مسافة واحدة من كل الناس في المجتمع مهما كان دينهم و طائفتهم و إيمانهم فأنفعهم هو أنفعهم للناس وللدولة و أنزههم عملا و كفاءة وهذه هي العلمانية باختصار فهي تمنع تغول الكهنة وسيطرتهم على البسطاء بقصد وصول سيطرتهم إلى مراكز القرار وزيادة أموالهم وثرواتهم بزيادة أتباعهم وسلطتهم ..والسؤال هنا هل يوجد في الإسلام الذي يتذرعون به شيئا يمنع تطبيق العلمانية أم العكس تماما ؟
تعالوا في هذا الصدد لنرى بعضا من آيات الذكر الحكيم حيث يقول الله تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...) و يقول تعالى لنبيه (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ولو عدنا لتعريف العلمانية وهو في جزء عدم إجبار أحد على تبني دين معين أو فكر معين أفلا يكون بذلك الدين الإسلامي هو دين يطالب بالعلمانية من قبل السلطة الحاكمة؟ 


ولو قال لنا الأخ الواعظ بأن الناس يجب أن يسألوه في كل كبيرة وصغيرة لأنه عالم هنا نقول له توقف يكفي تدليسا فأنت كاهن ولست عالم لأن كلمة عالم لو ترجمناها الإنكليزية فتكونscientistوللألمانية Wissenschaftler و كذلك هي في كل لغات العالم و تعني عالم الطبيعة القائم بعلمه على التجربة والبرهان ولا تعني الغيبيات بأي حال من الأحوال و لا الإيمانيات فهي لا تعني ما حشروه هم في الوعي الجمعي الإسلامي ليبرروا الكهانة في دين لا كهانة فيه وذلك بتغيير التسمية والصفة فقط و هناك لذلك في القرآن ما يمنعنا من إتباع كاهن فالأصل في الأمور الإباحة إلا ما حرمه الله في قرآنه قطعي الثبوت عند المسلمين وأي تحريم من خارج القرآن لا يجوز لأنه ظني الثبوت والله حرم إتباع الظن و إتباع الكهنة بشكل واضح و بهذا الشكل اخترعوا الطوائف المتعددة لدين بسيط واضح حيث يقول تعالى  (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) والمنع هنا في إتباع غير القرآن واضح كي لا يخضع الدين لمزاج كاهن فلو كان مزاجه سيئا مات الآلاف من الأبرياء بفتوى صغيرة ويقول تعالى في القرآن أيضا (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم ) و لهذا يقول تعالى عن القرآن ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) و أنا أدعي أن هذه الآيات وغيرها كثير ما نزلت إلا لمنع الكهنة و الوعاظ من استعباد واغتصاب العقول الساذجة بحجة نشر الدين و ما هدفهم الحقيقي غالبا إلا ما رحم ربي إلا نشر الكهنوت النافع دنيويا لهم للالتفاف على دين الله السمح في قرآنه و جعله دينا معقدا بمحرمات ألفية بدل ال 16 محرما الموجودين في كتاب الله كي تلجأ لهم في كل شيء وانظروا كيف أصبحت مجتمعاتنا و ما أصابها من أمراض فلا زلنا نتقاتل بسببهم مع بعضنا سنة وشيعة بسبب خلاف عمره 1400 سنة و الجهل قد أصاب مجتمعاتنا وكاد يقضي عليها فنحن أحوج ما نكون اليوم للعلمانية التي طلبها منها القرآن كي نترك للناس الحرية الكاملة لتطور عقولها و ليحكمنا من هو مؤهل علما وكفاءة لا من هو مرضي عنه طائفيا و كهنوتيا فهل إلى ننهض من سبيل أم نبقى نائمين ؟ السؤال برسم العقلاء فقط وللكلام بقية.

نشرت في العدد/ 0 / كانون الأول /2016 لمجلة صوت العلمانية
 جميع الحقوق محفوظة لرابطة العلمانيين السوريين © 2016  
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق