مقالات | العلمانية في العالم العربي بين الواقع وآمال التطبيق بقلم سمير مطر.



بقلم: سمر مطر

كانت العلمانية حجر الأساس، الذي تطورت عليه المجتمعات الأوروبية مطلع القرن العشرين، إلا أن المد الإسلامي، الذي يعيشه العالم العربي منذ عدة عقود، يجعل تطبيق مبادئ العلمانية فيالمجتمعات العربية أمرا صعبا في الوقت الحالي.

تعني العلمانية تنظم العلاقة بين الدين ومؤسسات الدولة بحيث لا تتدخل المؤسسة الدينية في آلية اتخاذ القرار السياسي بشكل مباشر. وبموجب ذلك يصبح الاعتقاد الديني مسألة فردية خاصة. وفي النظام العلماني لا يحق لأي شخص كان أو لأية مؤسسة حكومية أو دينية التدخل في مسألة الاعتقاد الديني لأي مواطن. إضافة إلى ذلك تصبح قوانين الدولة المدنية هي السائدة على جميع المواطنين. وطبيعي أن تختلف هذه القوانين من بلد لآخر بحسب خصوصياته، وكانت فرنسا أول من طبق نظام فصل الدولة عن الكنيسة مطلع القرن الماضي. وقد عارض رجال الدين آنذاك العلمانية بقوة لأن الكنيسة فقدت على أثره سلطة كبيرة في تقرير مصير الحكم هناك بالإضافة إلى فقدانها أيضاً لسيطرتها على التعليم الديني في المدارس. وبعد فرنسا اتبعت دول أوروبية أخرى أنظمة مشابهة للنظام الفرنسي ولكن بدرجات متفاوتة.

العلمانية بقيت في إطار الدعوات على الصعيد العربي

لم تُطبق الأنظمة العلمانية حتى الآن في العالم العربي، مع أن تأثير المؤسسات الدينية في الدول العربية يختلف من بلد لآخر. غير أن النصف الأول من القرن الماضي شهد دعوات ونداءات من قبل علماء دين متنورين طالبوا فيها باتباع النظام العلماني، وكان هؤلاء العلماء قد ظهروا خلال وبعد عصر النهضة العربية أواخر القرن التاسع عشر في مصر وبلاد الشام متأثرين بالتغييرات السياسية والمناهج الفكرية في أوروبا. لكن هذه الدعوات بقيت دون تأثير لأسباب عدة منها الفكرة السائدة عند أغلبية المسلمين بأن الإسلام دين ودولة، ولأن العلمانية التي جاءت عن طريق تركيا استطاع معارضوها أن يوصفوها بانها ضد الدين مما لاقت معارضة كبيرة لدى عامة الناس في المجتمع الذي كانت الأمية متفشية فيه، وتم الترويج لهذه الفكرة المعادية للعلمانية وغير الصحيحة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي وتركزت نقاط العداء على أن العلمانية ضد ارتداء الحجاب لان أتاتورك خلال تطبيقه النظام العلماني في تركيا منع النساء من لبس الحجاب في مؤسسات الدولة ومنع الرجال من لبس القبعات الحمراء - مع أن ذلك لا علاقة له بالدين الإسلامي-، كما رفض تطبيق الشريعة الإسلامية واستبدل قوانينها بقوانين مدنية معظمها من فرنسا وسويسرا وانكلترا علاوة على استبداله الأحرف العربية بالأحرف اللاتينية. وقد ساعد ذلك على ترويج عداء الإسلاميين المحافظين والتقليديين للنظام العلماني. رغم كل هذا يرى الباحث السياسي السوري نبيل فياض في لقاء خاص مع موقع الدويتشه فيله إن "التجربة التركية للعلمنة صالحة للتطبيق في أية دولة عربية".

الحرية الدينية مفقودة

أصبحت الحريات الفردية بكافة أشكالها أمراً بديهياً في الفكر الإنساني وممارسات الدول الديمقراطية. ويأتي في مقدمة هذه الحريات حرية الاعتقاد لأنه من الصعب بمكان، إن لم يكن من المستحيل تحقيق العدالة الإجتماعية التي تنادي بها كل المذاهب والأديان إذا لم تتوفر هذه الحرية التي تفتقدها المجتمعات العربية حتى الآن. وربما تكمن المشكلة الرئيسية في أن الإسلام لا يسمح لمن اعتنقه بتغيير دينه واعتناق دين آخر أو الإعلان عن إلحاده، وهذا ما ظهر في قضية الأفغاني عبد الرحمن الذي كان مسلماً و أعلن اعتناقه المسيحية وسجن على أثر ذلك في بلاده. وقد طالب علماء إسلاميون هناك بقتله باعتباره مرتداً، لكن الاحتجاجات العالمية الغربية هي التي أجبرت الحكومة الأفغانية على إطلاق سراحه والسماح له بمغادرة بلاده وهنا لم نشهد أي احتجاج من قبل رجال الدين المسلمين على سجنه. هذا يشير إلى أن تفكير رجال الدين هؤلاء لا يختلف عن زملائهم في أفغانستان وقصة الكاتب المصري نصر حامد أبو زيد تؤكد حاجة البلدان العربية إلى النظام العلماني لان "العلمانية تكفل للجميع حقوقهم الخاصة والعامة وهي الحل الأوحد حالياً" كما يضيف الباحث فياض.

آفاق بعيد ة لقيام المجتمعات المدنية

لا توجد حالياً آفاق لتطبيق قريب لنظام علماني في البلدان العربية يمنح حق المواطنة لكل فرد فيها. وحق المواطنة هذا يمنح المساواة بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم وبين المسلم المؤمن وغير المؤمن، ولكن تحقيق هذه المواطنة مرهون بإصلاح إسلامي يقوم به المسلمون أنفسهم ويجعل من مجتمعاتهم بلداناً تعيش عصرنا الحالي عصر الحداثة والحريات الشخصية والديمقراطية، وإذا لم يتصد المسلمون أنفسهم للتطرف الإسلامي فإنهم لن يستطيعوا تجاوز العواقب الحالية لركوب قطار الحضارة وهذا ما يؤكده الكاتب نبيل فياض الذي يقول "إن مشكلة المسلمين هي خنقهم المتعمد لأية محاولة لظهور "كانط" أو "ديكارت" في صفوفهم". ويجمع الكثيرون على أن المد الإسلامي في بلدان عربية كثيرة يجعل حظوظ تحقيق نظام علماني ضئيلة لأن أصحاب هذا المد الاسلامي يرفضون فكرة قبول الآخر ويحاولون تفسير العالم الذي أصبح معقداً في عصرنا الحالي بطرق تقليدية قد تكون نجحت في القرن السابع الميلادي لكن الزمن تجاوزها الآن، فهذا النمط التقليدي القديم لا يستطيع تقبل التنوع الثقافي والإثني والأيديولوجي لكل أفراد المجتمع. وعلى سبيل المثال لا الحصر لا تزال مسألة مساواة المرأة مع الرجل في الترشيح والإمامة والانتخاب من أهم مجالات الإصلاح الضرورية في الدين الإسلامي بما في ذلك منع تعدد الزوجات.


وتقف أمام هذا الإصلاح الإسلامي معضلة التعاون غير المباشر بين السلطة والمؤسسات الدينية. وهذا التعاون عبارة عن تبادل للمصالح بحيث تخفف المؤسسات الدينية من احتجاج الإسلاميين على الملوك والرؤساء وبالمقابل تفسح الحكومة المجال لرجال الدين بالتحرك بحرية وبالقيام بنشاطاتهم الدينية بدون مراقبة. غير أن ذلك يتم ضمن الحدود التي تحددها تلك الحكومات كي لا ترى سلطتها في وضع حرج وكل هذا يحدث على حساب المفكرين الليبيراليين والإصلاحيين المسلمين. ولن تحل هذه المعضلة إلا عن طريق تنوير العامة وإقناعها بضرورة النظام العلماني الذي يمنح حرية الاعتقاد لكل الأقليات الدينية ويحفظ لغة وثقافة كل الأقليات الاثنية ويسمح بالتعددية في كل فئات المجتمع. لا تبدو بوادر تطور الأنظمة العربية إلى أنظمة علمانية مبشرة بالخير في الوقت الحاضر، مما قد يؤخر إقامة مجتمعات مدنية فيها عشرات السنين.

المصدر: شبكة فولتير
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق