مقالات | كتب معقل زهور عدي العلمانية والدولة المدنية في سوريا الملل والنحل لا يمكن أن يقوم سلام في المجتمع بدون دولة المواطنة.

بقلم: معقل زهور عدي - معقل زهور عدي
يثير مصطلح العلمانية الكثير من الجدل والالتباس، ولأجل الخروج من ذلك المأزق، تبنى فريق من تيار الاسلام السياسي في سوريا مصطلحا أقل اثارة للجدل، لكنه – ربما أكثر غموضا وهو مصطلح الدولة المدنية.
والحال أن أسوأ الجدالات ما كان منها منصبا على المصطلح أكثر من انصبابه على المضامين والدلالات. وقديما قالوا "لا مشاحة في المصطلح" لكننا اليوم نجد أن كل المشاحة أصبحت في المصطلح.
فماذا نريد نحن من الدولة أن تكون؟ تلك هي القضية وبعد أن نتفق على المضمون - هذا اذا اتفقنا - لن نختلف حول المصطلح.
أما أنا فأريد أن تكون الدولة مبنية على أساس المواطنة.
والدولة هنا (ولا أريد العودة لقصة المصطلح) ليست الدولة الأموية أو العباسية أو الفاطمية. الدولة هنا هي الدولة بالمعنى العصري للكلمة، هي البناء الفوقي لمجتمع المواطنين الذي يحفظ وجوده وتماسكه، انها حارسة الدستور الذي هو أبو القوانين، الدولة ليست الحكم، وليست الحاكم، الدولة هي ارادة المجتمع في استمرار وجوده والحفاظ على مصالحه العليا.
وهي تنشأ بموجب عقد اجتماعي، لمواطنين أحرار، متساوين أمام القانون، بغض النظر عن أصولهم العرقية، وانتمائهم الديني أو المذهبي.
نحن المواطنين الذين نعيش ضمن بقعة معينة (سوريا مثلا) قررنا أن نعيش معا ضمن دولة واحدة لا تفرق بين مواطن ومواطن.
بهذه البساطة أحب أن أتناول المسألة.
قد لا يعجب البعض هذا، وقد لا يكون مطابقا للمثال الذي في مخيلته للدولة، أو الذي عاش عليه سنين طويلة. هذا مفهوم، وهو سبب للاختلاف بالتأكيد.
لكن وللأسف لايمكن التفاوض حول مفهوم الدولة هذا، فاما أن تقبله أو ترفضه.
لكن ما موقف هذه الدولة من الدين؟
اذا كانت المسألة هي التمييز بين دين وآخر في الحقوق والواجبات المرتبطة بمفهوم المواطنة فالدولة هنا بالتأكيد حيادية بصورة مطلقة.
لكن ذلك لا يعني أنها ضد الأديان، على العكس، هي مع كل الأديان، وفوق ذلك لا يمكن لتلك الدولة أن تكون بمعزل عن تاريخ الشعب أو الشعوب التي تمثلها وثقافتها ودينها. هذا مستحيل.
فحين يكون الاسلام دين الغالبية العظمى من الشعب، ويكون تاريخه وثقافته وأرضه كل ذلك مرتبط بالاسلام فمن السخف القول ان الدولة لن يكون لها علاقة بالاسلام.
فكرة المواطنة عصرية بلا شك، وهي وليدة الثورة الفرنسية، لكن يمكن رؤية جذور لها في تاريخنا، فالعهد الذي عاهد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يهود المدينة هو بمثابة عقد اجتماعي يؤسس لدولة مواطنة يعيش فيها المسلم واليهودي معا مع تحديد حقوق وواجبات كل طرف بصورة رضائية.
وعندما يقول أحد علماء الاسلام "أن الحاكم العادل غير المسلم أفضل من الحاكم المسلم الظالم لأن العدل سيشمل الناس أما الدين فحسابه عند ربه، بينما بالنسبة للحاكم الظالم المسلم، فسوف ينوب الناس ظلمه ولن ينتفعوا شيئا باسلامه" فهذا يقارب مفهوم دولة المواطنة أيضا.
اذن وظيفة دولة المواطنة هي اقامة العدل والحفاظ على حقوق ومصالح كل المواطنين بدون تمييز.
بهذا المضمون بالامكان الاتفاق على اية تسمية كانت. أو حتى ترك الأمر بدون تسمية ليس ذلك على درجة كبيرة من الأهمية.
الآن لم أعد بحاجة لمصطلح العلمانية اذا كان يثير جدلا وشبهات لحقته على يد علمانيين كان همهم محاربة الدين.
نعم ثمة علمانية مهتمة بمحاربة الدين أكثر من اهتمامها بمضمون الدولة وشكلها.
العلمانية هنا هي شكل من أشكال الايديولوجيا أكثر من كونها شكلا للدولة. أما أنا فأقول للعلماني "اذا كنت تريد دولة مواطنة فنحن معا على الطريق، أما اذا كان همك الأول هو الهجوم على الأديان ومحاربتها فلن نكون معك ولن نكون غطاء لك."
أما الدولة المدنية فان كانت شيئا آخر غير دولة المواطنة فعلى أصحاب ذلك المصطلح أن يوضحوه كي لا يكون مصطلحهم مجرد تقية فكرية تتيح لهم التهرب من الاختيار بين دولة "الخلافة" ودولة المواطنة.

في سوريا الملل والنحل لا يمكن أن يقوم سلام في المجتمع بدون دولة المواطنة، ليس لدينا خيارات متعددة بل خيار واحد، والتقسيم ليس خيارا، انه وضع للأساس لحروب داخلية لا تنتهي، كما أنه دعوة للجماعات المذهبية المتشددة لانشاء اماراتها على حساب وحدة سوريا الأرض والشعب.

ميدل ايست أونلاين
شاركه على جوجل بلس

عن Editor

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق